أضيف في 21 ماي 2014 الساعة 01:42
الداخلة بين شبح الحقوق و تهمة الانفصال
بقلم: سليمان بوصولة
نعلم جميعا بان الداخلة من بين أغنى المناطق الصحراوية، إن لم نقل أغناها، فهي المصدر الأول للثروة السمكية، حيث أن بحارها تخرج ألاف الأطنان سنويا من مختلف أنواع الأسماك، و تشغل الآلاف من اليد العاملة في هذا المجال، و بحسب الروايات الرسمية للدولة فالداخلة تحتل المرتبة الأولى في المعاملات البريدية و البنكية على مستوى المملكة، و قد يستغرب الكثيرين من هذه الإحصائية و لكن يكفي الإشارة إلى عدد عناصر القوات المسلحة و عناصر الأمن و البحارة لكي تكتشف
ان هذه الرقم معقول جدا ; و لم تنحصر خيرات الداخلة عند هذا الحد فهي الوجهة السياحية رقم واحد في المناطق الصحراوية بدون منازع، بعد الطفرة السياحية التي عرفتها المدينة في السنوات الأخيرة الماضية و بعد الصيت العالمي الذي اكتسبته بفضل مناطقها البحرية الخلابة، و لا أجد دليلا اصح على كلامي هذا من المسابقات البحرية العالمية التي تنظم سنويا بالمدينة. كما أن الداخلة أبت إلا أن تكون مصدرا فلاحيا جديدا له مكانته المتميزة في المملكة، إذ أنها مثلا المصدر الأول للطماطم صغيرة الحجم و الباهظة الثمن، و لو عددنا مجالات أخرى لكانت الداخلة من بين أوائل المدن في لائحة المنتجين. و على الرغم من ضخامة اليد العاملة التي تشتغل في مختلف الميادين الاقتصادية و الإدارية بالمدينة، إلا أن هناك تناقضا تاما و سوءا واضحا في توزيع هذه المناصب، حيث نجد أن الساكنة الأصلية و التي لا تتعدى أل 12% من إجمالي السكان في المدينة لا تستفيد من فرص الشغل التي تزخر بها مدينتهم.
قبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع الشائك لابد أن نشير إلى عدة أمور و توضيحات، فاستعمال مصطلحات من قبيل"سكان الأصليين" و " الانفصاليين" و "الوحدويين" لا يعني بالضرورة الانحياز إلى تيار فكري أو سياسي معين، فهذه المصطلحات موجودة في الحياة اليومية و لا يمكن غض النظر عنها، بل وجب استعمالها و توضيحها حتى نضع حدا للذين يستعملونها لأغراض شخصية. فالمعني هنا بسكان الداخلة الأصليين هم الساكنة الأصلية فلا عيب أن نقول فاسي أو مراكشي فما العيب أن نقول سكان الداخلة الأصليين. أما بخصوص " انفصالي" فهذه الكلمة أصبحت تهمة لكل من طالب بحقه في هذه الدولة يكفي أن يكون المطالب صحراويا فتطلق عليه تهمة الانفصال مع سبق الإصرار و الترصد. أما بخصوص "الوحدويين" فهذه شان آخر حيث نجد أن بعض الأفراد المحسوبين على أجهزة الدولة و أصحاب المصالح الضيقة ينفردون به دون غيرهم، و يكفي أن يشيروا بأصابعهم الى شخص معين فتلصق به تهمة الانفصال دون التحقق من أمره.
بالعودة إلى الموضوع، فسكان الداخلة الأصليون يعيشون ظروفا معيشية لا يعلم بقسوتها إلا رب العزة، فالكل ينظر إليهم على أنهم في ترف و بهاء، بفعل الآلة الإعلامية التي يسوقها رجال السياسة الذين بنجوا الرأي العام المغربي بان ميزانية المملكة قد استنزفت في تنمية الصحراء و حل مشكل الصحراء، و هو قول مردود عليه فالداخلة مثلا تعاني في كل مجالات التنمية رغم الثروة الهائلة التي تستخرج منها، فلا وجود لمرافق عمومية في المستوى نهائيا، و لا وجود لمسبح واحد بالمدينة، و الطرقات العمومية لا ترمم الا في الزيارات الملكية، و لا وجود لبنية تحتية قادرة على الصمود في وجه ابسط الزخات المطرية، فأين التنمية التي يدعيها أولئك المهرجين السياسيين. عامل آخر كان وراء هذه الظروف الصعبة التي تعيشها الساكنة الأصلية، و هو الادعاء بان كل الساكنة الأصلية تتقاضى منحة شهرية " الكارطية" من الدولة بالطبع فنحن لم ننكر هذا يوما، و لكن لتصحيح المعلومة فالمنحة ليست معممة على الكل، فهناك مئات العائلات التي تتكون من عدة أفراد و لا يستفيدون سوى من منحة واحدة، و قدر هذه المنحة لاتسمن و لا تغني من جوع كما هو معلوم لدى الجميع. الساكنة عموما تعاني أوضاعا مزرية بمدينة الداخلة و لكن تبقى الأصلية منها تعيش تحت خط الفقر، فنحن لم نعدد بعد كل المشاكل فمعدل البطالة هو الأعلى على مستوى المملكة بشهادة تقرير ورقة شكيب بن موسى التي وعدت بالكثير و لم تظهر في الأخير. إذن حان الوقت لإسكات تلك الأفواه التي تروج لفكرة ازدهار الداخلة و ساكنتها، فالفقر و العوز هما الصفتان اللتان باتت الداخلة تعاني منهما، وقد حان وقت إنهاء تلك المزايدات السياسية على حساب معيشة الساكنة الأصلية.
لن استغرب بعد اليوم، إذا استمر الحال على ما هو عليه، أن تتهم الساكنة الأصلية كلها بالانفصال، فالكل " يريد" و سيطالب عن ما قريب بحقوقه حتى لو اقتضى الأمر اتهامه بمعاداة القيم الوطنية، نعم فهذا الصمت الغريب الذي يعم شمال المدينة، و الظروف القاصية التي يعاني منها السكان في صمت رهيب ستنفجر عما قريب. ولا أجد للدولة هنا من حل، و اخص بالدولة تلك الأجهزة الخفية التي تدير البلاد و ليس أولئك المهرجين الملتحين الذين يشغلون المشهد السياسي في انتظار التغيير، سوى المبادرة و الإسراع في فتح باب الشغل أمام شباب سيتحالف مع الشيطان لو اقتضى الأمر من اجل فك عزلتهم الاقتصادية الخانقة .
|
|
|
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها
للتواصل معنا
0632268239
بريد الجريدة الإلكتروني
[email protected]
المرجو التحلي بقيم الحوار وتجنب القذف والسب والشتم
كل التعليقات تعبر عن راي أصحابها