الداخلة بريس _ صفحات من مسار ابن الداخلة الدبلوماسي الطبيب إبراهيم الحسين اوموسى


أضيف في 1 فبراير 2021 الساعة 10:20


صفحات من مسار ابن الداخلة الدبلوماسي الطبيب إبراهيم الحسين اوموسى


الداخلة بريس:

 انتقل إلى ذمة الله، الجمعة الماضية، بالمستشفى العسكري بالرباط، الدبلوماسي الطبيب، ابن مدينة الداخلة، إبراهيم الحسين اوموسى، عن سن سبعون سنة، بسبب فيروس كورونا، و يعد الفقيد، أول طبيب صحراوي يتخرج من الجامعات الإسبانية.

فرادة شخص إبراهيم الحسين أوموسى لا تكمن فقط في كونه أول طبيب صحراوي يتخرج من الجامعات الإسبانية، بل لكونه ولج الدبلوماسية قنصلا سنة 1985، واستمر في السلك الدبلوماسي سفيرا حتى سنة 2016، وساهم في سحب 15 دولة من أمريكا اللاتينية اعترافها بالجمهورية الوهمية لجبهة البوليساريو.

وفيما يلي نورد صفحات من مسار هذا الدبلوماسي المحنك في حوار أجراه معه موسى متروف بصحيفة "مواطن" :

كيف عشت من الداخل جذور قضية الصحراء؟

عندما استقبلنا الجنرال فرانشيسكو فرانكو في مدريد، في 15 مارس 1975، وكان إلى جانبه وزير الشؤون الصحراوية، ومدير الشؤون الصحراوية، في آخر لقاء عقده مع ممثلي الصحراء في البرلمان الإسباني وفي الجماعة الصحراوية برئاسة الحاج خطري ولد اسعيد الجماني. وأنا كنت مديرا للصحة في المنطقة الصحراوية كلها، ودخلنا لأحد المكاتب وخاطبني فرانكو: "أريدك الدكتور موسى، من فضلك، أن تتولى الترجمة بيني وبين الحاج الجماني"، الذي لم يكن يتحدث بالإسبانية. وخاطب الجماني قائلا: "سمعت كلامكم وسمعت طلبكم. الصحراء فعلا "تفاحة" نزاع. المغرب يريد الصحراء، والجزائر تريد مشاركة في استغلال الصحراء، وموريتانيا أيضا. هذا نزاع بين هذه الدول وهو في مصلحتنا. الآن الجيش الإسباني موجود وهو يحميكم، ولكنني أريد أن يرافق كل جندي إسباني جندي صحراوي. لهذا يا الحاج خطري، أنت من قبيلة الرگيبات فخذة "البّيهات"، إننا نحتاج 1500 جندي صحراوي نكوّنهم ويتموقعون في الحدود"...

 (مقاطعا) ولكن الصحراويين لا قبل لهم بمثل هذا العمل؟

لا كانت هناك الشرطة الترابية (Policia Territorial) وقوات الرحل (Tropas Nómadas)، لكن كم كان عددهم، ألف، ألفان، هو كان يريد أن يزيد في العدد، هو يريد أن يكوّن جيشا في الحدود "للصدمة" في حال الهجوم.

المهم ترجمت للجماني ما قال فرانكو...

ترجمت للجماني واقترحت عليه الجواب، حيث قلت له "هذه شرارة حرب أهلية، وأنتم موجودون في المغرب وفي موريتانيا". ظل ساكتا قليلا ثم قال له: "سيدي الجنرال أنا معكم وعائلتي معكم وقبيلتي معكم، لكن قبيلتي الرگيبات موجودة أكثر في المغرب وبعضنا موجود في الجزائر وفي موريتانيا. وما تريدون سيسبب حربا أهلية". والجنرال عاش الحرب الأهلية ويعرف تأثيرها.

إذا تم اختيار هذا المبرر بذكاء حتى يتم إفحام فرانكو...

طبعا، ظل فرانكو صامتا دقيقة أو دقيقتين، بعدما قدمت له الترجمة، ثم قال "فعلا الحرب الأهلية أثرت علينا كثيرا. انتهى الاجتماع من فضلكم". لم يستطع فرانكو أن يقوم من مكانه، حتى ساعدته من جهة وجنرال كان حاضرا من الجانب الآخر، فقال لي: "شكرا جزيلا يا بني (Hijo, muchas gracias)". لهذا كتبت الصحافة الإسبانية بأن "الدكتور موسى ابن فرانكو" (ضاحكا).

انتهت قضية الجيش إذن؟

نعم خرجنا من استقبال فرانكو الذي كان في الساعة الثانية عشرة، وذهبنا في الساعة الواحدة والنصف عند الأمير خوان كارلوس، الذي كان إلى جانبه أيضا وزير الشؤون الصحراوية، ومدير الشؤون الصحراوية، والوفد كله. قرأت عليه خطابا للسلام لا سياسة فيه، لأنه لم يكن يقوم بعمل سياسي. المهم سلمنا عليه وتمنينا له النجاح في مهامه... ثم دخل الأمير أحد المكاتب ثم خرج أحد مساعديه ليطلب "الدكتور موسى والحاج خطري". دخلنا عنده وقال إنه على اطلاع بما جرى بيننا وفرانكو وقال "أنا أعدكم أن لن تكون هناك أي حرب و"تفاحة" النزاع ستبقى محصورة. وأعدكم أن نجد حلا سلميا مع الدول المجاورة، وخصوصا مع الدولة التي لديها حق تاريخي في الصحراء"، في إشارة إلى المغرب. منذ ذلك اليوم، وأنا كنت سياسيا وطبيبا في الصحراء...

لم تكن عضوا صحراويا في البرلمان الإسباني؟

لا، كنت مساعد عضو في البرلمان. لأنه في ذلك الوقت، إذا لم تكن تتجاوز 35 سنة، لا يمكن أن تكون عضوا في البرلمان في عهد فرانكو، وعلى كل حال لم تكن هناك انتخابات بل تعيين فقط، وبالنسبة للأصغر سنا كحالتي يمكن أن يكون مساعدا لأحد البرلمانيين.

وماهو الانطباع الذي خرجت به بعد كل ما قاله خوان كارلوس؟

فهمنا، أنا والحاج خطري، أن العراقيل بالنسبة إلى الصحراء وعودتها إلى المغرب مصدرها فرانكو وليس خوان كارلوس. ومنذ مارس 1975 شعرنا بأن الدبلوماسية الإسبانية حول الصحراء بدأت تتغير، حيث تخفّفت اللغة الدبلوماسية القوية نحو المغرب، حتى لهجة حكامهم العامين تغيرت، بحيث لم يعد المغرب هو "العدو" و"الذي سيستعمركم" و"الاستعمار الجديد" و"أنتم لستم مغاربة" و"أنتم صحراوين لا علاقة لكم بالمغرب"... كل هذا تغير. وزير الخارجية الإسباني لوبيز برابو الذي كان ناضل بحماس من أجل إقامة دولة فيدرالية مع إسبانيا في الصحراء بعلاقات طيبة مع الجزائر، وحماية لمصالحها الاقتصادية في المنطقة، تم تغييره بعد شهرين. لأنه كان أول وزير خارجية إسباني الذي زار في يناير 1975 موريتانيا وفي تصريح صحافي تحدث باسم "الشعب الصحراوي" وبأنه "يستحق تقرير مصيره" و"يختار مستقبله" و"يستحق أن تكون له دولة مستقلة عن الدول المجاورة وعن الرغبة في التوسع"، في إشارة إلى المغرب دون أن يذكره. إذن تم تغيير هذا الوزير...

هنا شعرتم بالانفراج؟

بدأ الانفراج وأصبحت هناك ثلاثة مذاهب: مذهب من دعاة الحرب، منهم الحاكم والجيش، وهؤلاء بقي موقفهم جامدا، وكانوا يقولون "هذه أرضنا ولن نتحرك منها ولا استقلال ولا أي شيء". وهناك مذهب ثان يقول بأن الإسبان يجب أن يتخلوا عن مسؤولياتهم في الصحراء ويضعوها بيد منظمة الأمم المتحدة. ومذهب ثالث يتحدث عن التفاهم والتقارب مع المغرب.

والأحزاب السياسية ماذا كان موقفها؟

الأحزاب السياسية كانت ممنوعة في هذا الوقت، كان هناك الحزب الوحيد تقريبا وهو حزب فرانكو، وحزب فراغا دي بارني وهو مساعد فرانكو، بقي الحزب الاشتراكي، والحزب الليبرالي، والحزب الشيوعي، والحزبان الجهويان الباسكي والكاطالاني، كلها كان لي بها اتصال وكانت تقول بمغربية الصحراء، ويذهبون إلى أنه يمكن إضعاف فرانكو بانتزاع الصحراء منه، لأنه إذا لم يتم ذلك سيقوم بما قام به في شمال المغرب (الذي انطلق منه إلى حكم إسبانيا)، خصوصا في حال إقامة دولة فيدرالية مع إسبانيا سيتقوى نفوذه في الصحراء كما في جزر الكناري أيضا.

وكيف قمتم باستغلال هذا التناقض الداخلي؟

كان لي اتصال سري بالحزب الاشتراكي، كنت على معرفة بفيليبي غونزاليس وألفونصو غيرا، وهما كانا يقولان بأن الصحراء مغربية، وكانا يعتبران بأن فرانكو يأخذه الحنين إلى القديم في العلاقة مع إفريقيا وأنه ليس من مصلحتهم تقوية فرانكو والجيش. لكن المشكل في الحزب الشيوعي هو ميله إلى الجزائر، لأسباب إيديولوجية، يقولون إن الجزائر نظام "تقدمي"، فيما النظام المغربي "ملكي"...

طبعا كانت هناك الحرب الباردة التي تلقي بظلالها على المنطقة...

تماما، المهم كان هناك انفتاح وتوجه نحو المغرب، ولكن هناك الإحصاء الإسباني لسنة 1974 الذي تم إعداده من أجل التصويت لصالح البقاء الإسباني في الصحراء، لأن القبائل التي لها ميول تاريخية مع المغرب لم يتم إحصاؤها مثل قبائل تكنة وأيت باعمران وأيت لحسن وريافة أيت توسة ويگوت والتي توجد في الصحراء تم تجاهلها وكانوا يسمونها "قبائل الشمال"، وأهلها يمثلون تقريبا 40 في المائة من الذين كان يجب إحصاؤهم، لأنهم لم يمنحوهم درجة "قبيلة"، حتى لا يشاركوا في أي استفتاء إذا تم بعد ذلك. لكن بعد الانفتاح الذي تحدثت عنه بدأ التغيير في الموقف من هذه القبائل، حيث سجلوهم وشرعوا في منحهم بطائق إسبانية وغير ذلك، المهم هناك تحول تم بعد الاجتماع الذي تم مع فرانكو والكلمات التي قلناها له...

ماذا عن الجزائر، هل بدأت التحرك بعد لقائكم بفرانكو وخوان كارلوس؟

بعد حوالي يومين من لقائنا بفرانكو وخوان كارلوس، كنت في شقتي بمدريد فحدثني بواب العمارة عبر "الأنتيرفون" وقال لي بأن السفير الجزائري محمد خلادي يريد مقابلتي، ولما صعد ودخل الشقة وهو في الممر قال لي بأنه جاء يبلغني رسالة شفوية من الرئيس الجزائري الهواري بومدين، مفادها أن ندخل الجزائر ونقاوم "الاستعمار الجديد" للمغرب بعد رحيل الإسبان، وأنه سيضع رهن إشارتنا الخزانة العامة لتحرير الصحراء. طبعا طلبت منه أن يشكر الرئيس وأن يبلغه بطلبنا وضع تلك الخزانة رهن إشارتنا لتحرير الصحراء فعلا، لكن للعودة إلى الوطن الأم المغرب. لم أدخله إلى داخل الشقة وعاد من الممر.

وماذا كان الجواب؟

تم بعثُ وزير مهم في الحكومة الجزائرية حينذاك، أفضل عدم ذكر اسمه، إلى مدريد بعد يومين، واتصل بالوفد الذي استقبله فرانكو وخوان كارلوس بالفندق الذي كانوا يقيمون فيه، وطبعا كنت حاضرا معهم. وهناك بدأ الوزير يحاول إقناع الحضور بالأطروحة المعروفة لبلاده، بالعربية وشيء من الفرنسية، ولما لم يجد آذانا صاغية نزع سترته وربطة عنقه وفتح أزرار قميصه ليكشف عن آثار تعذيب في ظهره، وقال "يجب أن تقاتلوا من أجل تحرير بلادكم، كما قاومنا نحن الاستعمار الفرنسي". ورغم ذلك لم يثر اهتمام المجموعة، ما دعاه إلى تبرير الموقف بأن مخاطبيه "أميون"، كما وصفهم باللغة الفرنسية...

وبالنسبة إلى المغرب، ماذا وقع بعد لقاء فرانكو وخوان كارلوس؟

لما خرجنا من اللقاء مع الأمير خوان كارلوس، اتصلت بصديق يعرف الجنرال أحمد الدليمي وهو ابن عم لي رحمه الله، كلمته وقلت له بأنه "من الضروري أن أرى سيدنا" (الملك الراحل الحسن الثاني)، موضحا له بأن هناك أمور لا بد أن أفسرها له. المهم اتصلت به في الدار البيضاء وفي اليوم الموالي جاء عندي إلى مدريد وفسرت له ما أريد واتصلنا بالدليمي وقال لي "سأرسل لك السيد عبد اللطيف المدغري"، رحمه الله...

ومن هذا الرجل؟

هو مساعد الدليمي وكان يعرفه الملك، وقد توفي في حادث سير في نهاية السبعينات. المهم جاء هذا الرجل عندي في مدريد والتقينا في محطة "ميترو" الأنفاق.

هو لقاء سري إذن؟

نعم أنا متابع من طرف الإسبان وهو مسؤول أمني، لذلك كان اللقاء سريا وأعطاني علامات كي أتعرف عليه من خلال اللباس، ونفس الشيء بالنسبة إلي.

كل هذا تم في نفس شهر مارس 1975؟

نعم، التقينا في محطة الميترو وامتطينا قطارا وسافرنا لمسافة قضينا فيها حوالي ساعتين وكنت أتحدث وهو يسجل كتابة ما أقوله، ونزلت في رانخويس وتركته هناك. المهم رجع للرباط...

وماذا عن طلبك للقاء الملك؟

اتصلوا بي بعد حوالي أسبوع وقالوا لي بأنني سأرى الملك في عيد الشباب (9 يوليوز 1975)، لكن يجب أن يكون اللقاء سريا لأن جواز سفري الإسباني مذكور فيه بأنه يمنع علي زيارة الدول "السوفياتية" وإسرائيل والمغرب (ضاحكا). طبعا المغرب سيترك لي حرية الدخول لأن جوازي استعماري طبعا...

ودخلت المغرب؟

قبل ذلك استغليت دورة تكوينية حول إدارة المستشفيات في العاصمة الفرنسية باريس وطلبت كمدير الصحة في الصحراء أن أشارك فيه إلى جانب ثلاثة أطباء إسبانيين مدراء للصحة في مناطق أخرى من إسبانيا. بعد أسبوع في الدورة، قلنا بأنه آن أوان السياحة، وأخبرت "الناس ديالنا" وجاءتني طائرة حملتني إلى مراكش، حضرت احتفالات عيد الشباب مع سيدنا وجلست إليه لمدة 45 دقيقة وفسرت له كل شيء فقال لي "ارجع يا دكتور إلى الصحراء إذا أردت. ليس في قلبك غْرام واحد من الانفصال، وإذا أعطاك الإسبان أي مسؤولية تسلّمها، حتى ولو وضعوك على رأس دولة في الصحراء، لكن بمشيئة الله في دجنبر 1975 سأشرب معكم الشاي في العيون". جملة لم أفهمها، المهم ذهبت إلى الدار البيضاء ومنها إلى باريس، ولم أفهم ما رمى إليه الملك الراحل إلا في 16 أكتوبر 1975 عندما أعلن سيدنا عن نداء المسيرة الخضراء. كنت حينها في الداخلة مع الوالد رحمه الله في بيته، وكنا ننصت إلى نشرة الواحدة ظهرا من الرباط، كعادتنا، وعندما سمعنا نداء المسيرة من طرف الملك، في 16 أكتوبر 1975، قلت للوالد إن سيدنا سيشرب فعلا معنا الشاي في دجنبر.

وماذا وقع معك؟       

في نونبر بدأت المظاهرات التي كان ينظمها البوليساريو فجاءني اتصال من الرباط يقول لي "نخاف عليك لأن هناك اختطافات من طرف الجيش الإسباني ويسلّم المخطوفون إلى البوليساريو ولابد أن تدخل إلى الرباط"، فعلا ركبت طائرة وذهبت إلى جزر الكناري ومنها إلى دخلت إلى الرباط.

هنا كانت المسيرة قد انطلقت لكن ماذا عن الجانب الإسباني والصحراويين؟

قبل ذلك وفي يونيو 1975 كانت قد وصلت لجنة من الأمم المتحدة إلى الصحراء كما قال لنا فرانكو، والإسبان شجعوا البوليساريو حتى يخرج للشوارع، ونحن كنا نفضل حزب "البونس" على غيره وإن لم نكن نتفاهم معه كثيرا. هذا الحزب كان يترأسه خليهن ولد الرشيد (حزب الاتحاد الوطني الصحراوي PUNS). ولما رأينا "لعب" الإسبان قلنا ذلك لولد الرشيد ورأى الميل إلى الجزائر دخل المغرب مع خليل الدخيل وحمودي بوحنانة رحمه الله، وفي نونبر دخل الحاج خطري رحمه الله. وطبعا هؤلاء هم القادة التاريخيون وقد دخلنا جميعا بعد أن كانت تعدّنا إسبانيا لمسؤوليات في دولة مستقلة أو في نظام فيدرالي مع إسبانيا.

وما كان رد فعل الإسبان؟

قال لي أحدهم "لا يمكن أن نكون بابويين أكثر من البابا نفسه، كنا نريد لكم دولة وأنتم تفضلون المغرب". المهم دخل القادة التاريخيون وناضلوا إلى جانب بلدهم المغرب من أجل قضية الصحراء.

تزامنت المسيرة مع مرض فرانكو وربما كانت هناك مفاوضات مع الراحل الحسن الثاني، ما حقيقة ذلك؟

يقال هذا، لكن التغيير وقع أول مرة مع وفاة كاريرو بلانكو، الذي كان نائبا لفرانكو، والذي كان يفترض أن يخلف هذا الأخير بعد وفاته، ويكون الملك رمزيا فقط. لكن مات بلانكو ثم مات فرانكو وانتهت معه الفرانكاوية، وما كنا نخشاه هو امتداد الفرانكاوية بعد فرانكو. وبلانكو هو الذي تقرب إلى الجزائر وأول حظوظ المغرب كانت مع وفاته، بعد اغتياله من طرف منظمة "إيتا" الباسكية، كما يقال، ولكن فرانكو الذي عاش في شمال المغرب وساعده المغاربة (ريفيون وصحراويون..) كان له عطف على المغرب لكن ليس إلى درجة التخلي عن الصحراء. وفي علاقته مع الحسن الثاني أظن أن العلاقات كانت جيدة، لأنه بعث له السفير الماريشال أمزيان الذي شارك في الحرب مع فرانكو... ولا أعلم إن كانت هناك أشياء أخرى سرية أجهلها.

ومرض فرانكو ألم يؤثر على القضية؟

طبعا بعد يومين أو ثلاثة من إعلان سيدنا عن المسيرة، أصيب فرانكو بزكام حاد أودى بحياته، وقد ظل طيلة أيام المسيرة مريضا، لدرجة أنهم يحكون نكتة عن زوجته التي قالت له إنه لو كتب الصحراء في اسمها لما وقع ما وقع. وطبعا هذه نكتة ساخرة من الوضع حينئذ. والحقيقة أنهم تأخروا في إعلان وفاة فرانكو، وهذا ما أخبرني به صهره الذي كان من معارفي وهو طبيب مثلي، حتى إعلان الاتفاق الثلاثي (14 نونبر 1975) الذي بمقتضاه خرجت إسبانيا من الصحراء وسلمت الإدارة للمغرب وموريتانيا.

وماذا عنك في تلك المرحلة؟

قلت للملك الراحل الحسن الثاني إن الداخلة أصبحت تحت الإدارة الموريتانية، وأنا لا يمكن أن أعمل فيها، فقال لي "دعك في الرباط، أنت ضيفي، لكن الداخلة ليست "خارجة"، إنها داخلة". المهم بقيت في الرباط وعملت في ديوان وزير الصحة الراحل رحال الرحالي ابتداء من سنة 1977 ومكلفا بديون الوزير الأول  أحمد عصمان، لكن دائما في إطار قضية الصحراء، خصوصا مع الشؤون الداخلية ورجال الدليمي. وفي 1979 كنت في جزر الكناري حملت ابني الذي ولد بالرباط إلى لاس بالماس ليراه والدي اللذين ظلا مقيمين في الداخلة. وفي 12 غشت 1979، وتزامنا مع شهر رمضان، عدت عبر مطار الدار البيضاء ووجدت هناك مدير المطار وممثلي السلطة يسألون عني، زوجتي وابني ذهب بهما السائق إلى الرباط وأنا حملوني إلى سلا، حيث وجدت الراحلين إدريس البصري وأحمد الدليمي وطلبا مني الإفطار مع الوالد في الداخلة، فقلت لهم إنه في لاس بالماس، فقالوا لي نريد الإفطار في الداخلة واتصلت بالوالد الذي كان أصلا يريد التوجه إلى الداخلة. المهم ذهبنا إلى أكادير  ووجدنا حوالي 70 صحراويا كلّهم من أبناء الداخلة، لم يكونوا مع موريتانيا، وحملونا إلى إحدى الثكنات العسكرية ووزعوا علينا أزياء عسكرية وبنادق رشاشة و300 رصاصة لكل واحد لنكوّن "كوماندو".

أصبحتم عسكريين فجأة وبدرجات مختلفة؟

نعم لبسنا أزياء عسكرية بدرجات مختلفة، كلٌّ حسب مستواه.

وما الرتبة العسكرية التي تسلمتها؟

"ملازم" أو شيء من هذا القبيل (ضاحكا). المهم سيدنا أعلن عن العملية ليلة 27 رمضان، وأصبحت عملية "القدر" في إشارة إلى ليلة القدر. وصلنا في 27 رمضان إلى الداخلة وفي الصباح كل واحد منا ذهب عند قبيلته وأقمنا مظاهرات وذهبنا إلى عمالة الداخلة حوالي 1500 شخصاـ وأول شيء تم القيام به إنزال العلم الموريتاني ورفع العلم المغربي. في هذه الفترة كان رئيس موريتانيا هو محمد خونا ولد هيدالة الذي كان قد اعترف بـ"الجمهورية الصحراوية" الوهمية وكان قد أخبر البوليساريو عن انسحابه، وقد وقعت معركة بئر أنزران المشهورة بسبب قدوم قوات عسكرية مكونة من الجيش الجزائري والبوليساريو، لأنهم كانوا ينتظرون هناك من أجل الدخول للداخلة. وطبعا كان جيشنا هناك والحمد لله. المهم دخلنا على العامل فقال لنا "دعوا لي وقتا لجمع ملفاتي. أنتم السكان إذا أردتم أن نرحل سنرحل". وفعلا غادر الموريتانيون الداخلة وذهب وفد من القبائل لتقديم البيعة لسيدنا في 14 غشت 1979.

وقد تم توزيع بعض الأسلحة على المشاركين في هذه البيعة، لماذا تحديدا؟

فعلا، كنت في الخلف وكان الوالد بينهم، وكانوا حوالي 160 شخصا، وقال لهم الملك "أنتم معروفون كقبائل الگيش، ها هي أسلحة إن اعتدى عليكم أحد الجيش معكم ولكن يمكن أن تدافعوا عن أنفسكم"، والواقع أن السلاح كان رمزيا. وتم تعيين عامل على الداخلة وقال لي سيدنا "أنت تعرف الداخلة وأريدك أن تذهب إلى هناك كطبيب رئيس لأنه بلا شك أن خدمات الموريتانيين كانت محدودة" وذهبت إلى هناك في 18 من نفس الشهر، لأقوم بنفس المهمة التي كنت أقوم بها خلال الاستعمار الإسباني، وبدأت في تنظيم المستشفى واستقدام الأدوية وسيارات الإسعاف وكل ما يلزم...

وكيف وجدت الوضع بعد مدة من الغياب؟

وجدت حوالي 30 في المائة من السكان مصابين بمرض السل وأتينا بالاختصاصيين ليوقوموا بالواجب. وظللت هناك إلى حين قدوم سيدنا، في مارس 1980، إلى الداخلة، حيث تم تجديد البيعة. ومن هناك بعثني سيدنا إلى طنجة كطبيب رئيس إلى سنة 1985، فقال لي سيدنا بنفسه "نحتاجك في جزر الكناري، كسفير لكن تقوم بأعمال القنصل". جزر الكناري كانت تعتبر "تندوف الغربية". هناك قضيت 7 سنوات واجهت فيها البوليساريو وأدخلت الصحراويين الذي كانوا مع البوليساريو كلهم إلى المغرب ورئيس الحكومة المحلية أتينا به واستقبله سيدنا يرحمه الله وانطلقت علاقات جيدة مع الكناري من حيث الصيد البحري والفلاحة وتم استئناف المبادلات التجارية بين الصحراء المغربية والجزر والحمد لله "طهرنا" المنطقة من وجود البوليساريو وحسنّا صورة المغرب وملكه وشعبه وأصبحت الشركات الكنارية تأتي لأكادير في إطار الصيد البحري أو الفلاحة، كما يأتون إلى العيون والداخلة، الحمد لله انتهى البوليساريو هناك وبقيت بعض البؤر الصغيرة لكن بلا تأثير كالسابق...

ثم انتقلت كسفير إلى موريتانيا...

نعم في 1992 ثم في 1999 انتقلت كسفير إلى فينزويلا والكرايبي حيث بقيت 18 سنة، والحمد لله حصلنا على 15 دولة سحبت اعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية"، وأول دولة سحبت اعترافها كانت جمهورية الدومينيكان...

لكن كيف انتقلت إلى أمريكا اللاتينية؟

في دجنبر 1999 ذهبت كسفير إلى فنزويلا، أي بعد وفاة الراحل الحسن الثاني وفي بداية عهد الملك محمد السادس، ويحكون أن الحسن الثاني رحمه الله قال "إن في فنزويلا رئيس أحمق اسمه (هوغو) تشافيز ويلزمه سفير طبيب مثل الدكتور موسى"، وفعلا عينني الملك محمد السادس بفنزويلا وكانت الكارايبي تابعة لي. وهذه المنطقة طهرناها أيضا ولم تبق لنا مشاكل تقريبا، سوى كوبا، وها هو سيدنا سيبعث سفيرا إليها، وفنزويلا المعروفة بنظامها المتطرف وننتظر أن تنتهي رئاسة نيكولاس مادورو لكثرة مشاكله. ونحن أغلقنا سفارتنا هناك في 2009 ونقلناها إلى الدومينيكان. وبالنسبة لهذه الأخيرة أنا كنت سفيرا غير مقيم فيها سنة 2002، واستقدمت رئيسها إلى المغرب، استقبله سيدنا الذي دعاه في زيارة دولة وسحب اعتراف بلاده بـ"الجمهورية الصحراوية" وخدم مصالحنا مع دول الكارايبي. والحمد لله كانت آخر دول هناك سحبت اعترافها، في 2015، هي هايتي والجامايكا.

ومتى انتهت مهامك بهذه الدول؟

في أكتوبر 2016، والحمد لله كانت مهام ناجحة والتوصيات التي قدمت لي هي سحب الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية وتأييد الحكم الذاتي وعدم تقديم أي مساعدة للبوليساريو. وكانت هذه الدول كلها نشيطة في اللجنة الرابعة للأمم المتحدة وفي الجمعية العمومية وفي لجنة حقوق الإنسان وكانت كلها داعمة لمشاريع القرارات التي كانت تقدمها الجزائر في المحافل الثلاث.

وكيف تم اختراق هذه الأوساط؟

بدأنا مع هذه الدول بتعيين قناصل فخريين من المواطنين من ذوي الأصول العربية (سوريا ولبنان وفلسطين) والذي ساهموا في إعادة بناء هذه البلدان وصاروا أغنياء. هؤلاء القناصلة الفخريون الذين يتميزون بحب كبير للمغرب وملوكه ساعدوني كثيرا في هذه البلدان التي لها نفس وزن الصوت مع الولايات المتحدة أو غيرها، وليس هناك بلد صغير أو كبير. والمثير أن هؤلاء القناصلة الفخريين الذين جاؤوا إلى هذه البلدان بسبب الفقر أو الاستعمار أو الميز الديني أصبحوا مناضلين في قضية الصحراء. أذكر أن بلدا، لن أذكر اسمه، فيه جزيرتان ذهبت إليه مرارا. تحدث مرة إلى وزيره الأول الذي هو في الوقت ذاته وزير الخارجية بشيء من الإسبانية والإنجليزية والفرنسية ولكنه كان يسد الأبواب في وجهي، وقال لي "كل شيء إلا قضية الصحراء، نحن اعترفنا بالجمهورية الصحراوية والشعب الصحراوي له حق تقرير مصيره..."، يعني بتلك اللغة المعروفة. وحكى لي قنصل فخري أنه كان يمول حزب الوزير الأول المذكور وأنه في بلد فقير لا خبز ولا لباس ولا بترول فيه ولا أسواق، ولا شك أن المسؤول إياه له علاقات خاصة بالجزائر. بعد حوالي شهر اتصل بي هذا القنصل الفخري وأنا في عاصمة الدومينيكان وقال لي بأن لديه شيء هام لي، وسألني إن كنت سأذهب إليه أم يأتي عندي. طبعا فضلت أن ألحق به وكان له ابن عم نائب مدير بنك خارج البلاد في منطقة الكرايبي حيث فتح الوزير الأول المذكور حسابا بنكيا، وقد أتاني بصورة شيك موقع من طرف مدير البنك المركزي الجزائري وسفير الجزائر في كوبا بمبلغ مليون ونصف المليون من الدولارات. قلت له "جيد، اذهب عند هذا الوزير الأول وقل له إن نسخة الشيك لدى سفارة المغرب ومن الأفضل أن تتفاهم معهم، لأن قضية الصحراء عندهم مقدسة". فطلب منه أن يراني، فقال له إنه "موجود هنا"، فطلب منه أن نحضر كلانا لديه ويكون خيرا. وفعلا عندما استقبلي غيّر لغته وسألني "أين توجد هذه الصحراء؟"، شرحت له أين يوجد موقع الصحراء المغربية، وصحراء الجزائر وصحراء موريتانيا، وقلت له إنني صحراوي وأن الاستعمار حاول زرع التقسيم بين السكان... فقال لي إنهم أفهموه أن الصحراء فيها البترول وسألني إن كان الفوسفاط في الصحراء، فأجبته بأن الفوسفاط يوجد في العيون وفي خريبكة وفي المغرب كله. فذكر لي بأن بلاده تحتاج إلى الأسمدة، وطلب مني استشارة البرلمان وبعد يومين سحبوا اعترافهم بـ"الجمهورية الصحراوية". كل ما حكيته فقط من أجل أن أقول هو أن ما أضر بنا في هذه الدول هو غيابنا، في الوقت الذي كانت فيه الجزائر والبوليساريو هناك منذ السبعينات وبأموال لا يمكن تصورها. ونحن لم نصل إلى هناك حتى التسعينات، لكن جهود الملك محمد السادس ساعدت في هذه المنطقة، خصوصا بعد زيارته الرسمية، في سنة 2004، إلى المكسيك والبرازيل وكولومبيا والبيرو والشيلي والأرجنتين والدومينيكان...

نعود إلى مهامك الدبلوماسية في المنطقة...

لم يتم تعييني شخصيا هناك إلا في 1999، لكن والحمد لله كانت حججنا أقوى من حجج الجزائر والبوليساريو. وأنا كنت أرد عليهم، عندما يقولون إن الشعب الصحراوي ضعيف والمغرب احتله، بأن الضحية هو المغرب لأن الجزائر والبوليساريو أرادا انتزاع أرضه منه وخنقه حتى لا تبقى علاقاته ممتدة مع إفريقيا وكنت أقول لهم إن الذين يوجدون في مخيمات تندوف ليسوا صحراويين لأن الصحراويين الحقيقيين بقوا في أرضهم وسعداء في أرضهم. وكنت أشرح لهم أن الاستعمار الإسباني لم يخلف وراءه غير الثكنات العسكرية والسجون، أما اليوم فنتوفر على الطرق والمطارات والموانئ والمستشفيات لدينا المساكن والصيد البحري والفلاحة التي لم تكن من قبل. كنت أشرح لهم وأزودهم بالوثائق وليس بالكلام فقط. إذن حججنا أقوى من حججهم...

المصدر: مواطن

 

 






للتواصل معنا

0632268239

بريد الجريدة الإلكتروني

  [email protected]

 

المرجو التحلي بقيم الحوار  وتجنب القذف والسب والشتم

كل التعليقات تعبر عن راي أصحابها

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقك على الخبر
* كاتب التعليق
* عنوان التعليق
  * الدولة
* التعليق



6جرحى في مواجهات عنيفة بالعيون على إثر نزاع حول بقعة أرضية

البحر يلقي ثلاث جثث جديدة بمنطقة العركوب

فرع المركز المغربي لحقوق الانسان بالداخلة ضد إهانة العمال والعاملات في القطاع الفلاحي

صحفي من الداخلة ضمن الفائزين بجائزة الصحراء للصحافة

المغرب يعمل من أجل إدماج ناجح للمهاجرين

ميثاق الشرف الإعلامي العربي

ضمان احترام حقوق الانسان مهمة يقتسمها القضاء ورجال الأمن والحقوقيون

الداخلة : تسليم بطائق الإقامة للأجانب المقيمين بالمغرب

قرية بالصحراء في دائرة النسيان

تنطم جمعية شباب التنمية حملة تبرع