الداخلة بريس _ إذا كان بن كيران هو المشكل..فالحل سهل


أضيف في 31 مارس 2014 الساعة 20:40


إذا كان بن كيران هو المشكل..فالحل سهل


مولاي التهامي بهطاط

هل أكشف مجهولا، أو آتي بجديد حين أؤكد مرة أخرى أن الديموقراطيات الحقيقية تحتاج إلى معارضات قوية وليس إلى حكومات قوية؟

هذه ليست نظرية سياسية تحتاج إلى نقاش وأخذ ورد، بل هي مسلمة من المسلمات وبديهية من البديهيات التي تشاهد بالعين المجردة، وعلى رأي المتنبي:

وليس يصح في الأفهام شيء** إذا احتاج النهار إلى دليل

فهل هناك اليوم دولة ديموقراطية فيها معارضة خاملة تعيش على الكلام الفضفاض، أو تبحث عن معارك كلامية لإثبات وجودها بأي شكل والسلام؟

وإذا كان تدبير الشأن العام علما وفنا، فإن ممارسة المعارضة علم أعقد وفن أصعب، لأن من في موقع المسؤولية يتوفر على إمكانات الدولة الإدارية والمالية والإعلامية وعلى الموارد البشرية الكافية والمدربة، بينما أحزاب المعارضة لا تتوفر سوى على مناضليها وعلى إمكاناتها الذاتية المحدودة التي لا يمكنها منافسة إمكانات الدولة أو مجاراتها.

لكن هذا لا يمنع هذه الأحزاب من الأداء الجيد سواء داخل المؤسسات، أو في المواجهات الإعلامية، حيث نجد مناضليها وبرلمانييها متمكنين من الملفات التي يتحدثون فيها.

والسبب بسيط يرجع إلى الاحترافية في العمل السياسي وإلى اعتماد الكفاءة بدل الولاء أو الزبونية والمحسوبية، حتى وإن كانت هذه الخلاصة نسبية بما أن الإنسان لا يمكنه أن يتخلص من طباعه البشرية مهما كان موضوعيا ومنكرا لذاته.

هذه الاحترافية، تتمثل في بعض التجارب الديموقراطية في ما يعرف بحكومة الظل، حيث إن المعارضة تتوفر على حكومة موازية، أي وزير ظل، مقابل كل وزير فعلي، وهو ما يخلق جوا من المنافسة، بل يضع الرأي العام أمام خيارات واضحة وبدائل جاهزة، وبطبيعة الحال نحن هنا لا نتحدث عن هواة الكلام، بل عن سياسيين محترفين يعرفون أنهم خاضعون لرقابة فعلية ومشددة من الناخب.

وفي تجارب أخرى، فإن الأحزاب تتوفر على خلايا وعلى مجموعات عمل، تكلف كل منها بقطاع من القطاعات، يسند التنسيق فيها أو رئاستها لمناضل حزبي متمرس ومؤهل لهذه المهمة.

وتقوم هذه الخلايا بالمتابعة اليومية والتفصيلية لجميع الملفات، وتضع القيادة الحزبية في الصورة، بل إنها مستعدة على مدار الساعة لتقديم أجوبة شافية عن أية استفسارات، وهذا ليس عملا سهلا بل يتطلب جهدا كبيرا، وروحا نضالية عالية.

بطبيعة الحال، لا يمكننا الحديث في المغرب عن حكومة ظل تشكلها المعارضة، لأننا سنشهد ساعتها اقتتالا فعليا حتى على هذه المناصب الشرفية، بل قد ترتفع أصوات هنا وهناك للمطالبة بتزويد وزراء الظل بسيارات حكومية وبسائقين وخدم وحشم وأعضاء دواوين، ولم لا مكاتب داخل الوزارات..ففي المغرب لا حد للعبث ولا نهاية ....

لقد فرضت هذه المقدمة الطويلة نسبيا نفسها، ليس فقط لأننا مازلنا نعتقد أننا حالة فريدة من نوعها على مستوى العمل السياسي والحزبي، بل لأن هناك من يعتبر نفسه "مدرسة" جديدة قائمة بذاتها في مجال علوم السياسة، حتى أصبحنا أمام أكثر من "أبي العتاهية" في أحزابنا..

فالشاعر العباسي المعروف "أبو العتاهية"، حين نظم شعرا وقيل له إنه خارج قواعد العروض، كان جوابه أنه "سبق العروض"، لأنه كان معاصرا للخليل ابن أحمد واضع هذا العلم.

لكن المشكلة بالنسبة لسياسيينا ومتحزبينا أن "شعرهم السياسي" بلا وزن وبلا قافية، بل يمكن إدراجهم ضمن من سماهم نزار قباني "شعراء الكلمات المتقاطعة"..

فاليوم حين تراجع الخطاب السياسي لأحزاب المعارضة، لا تكاد تجد فيه سوى النقد والانتقاد، وحين تسأل عن البدائل، إما يتم تهريب الكلام في اتجاه آخر، أو تُفتعل معركة كلامية لا طائل من ورائها، أو يُقال كلام لا هو بالشعر ولا هو بالنثر، بل هو أقرب إلى الهلوسة..

هذه الأحزاب لا تتوفر على بدائل، هذه حقيقة، بل هناك فقط هيئات سياسية غادرت الحكومة قبل أقل من ثلاث سنوات، بعد مشوار حكومي طويل، انتهى بالفشل، وببوادر انتفاضة شعبية، وهي التي ترفع اليوم صوتها للتنديد بفشل الحكومة..وهذه حقيقة أخرى، أما الحقيقة الثالثة، فهي أن هذه الأحزاب إما خلقت لتحكم، وإما أنها لم تعد قادرة على ممارسة المعارضة بأدواتها المتعارف عليها..

ففي جلسات البرلمان مثلا، لا نشاهد مساءلة فعلية للحكومة، ولا تقديم اقتراحات عملية لإحراجها ودفعها لتصحيح سياساتها، بل هناك خلط بين الخاص والعام، حتى أن المتابع يخيل إليه أن الأمور تحركها الغيرة والحسابات الشخصية، وليس الخلاف حول طريقة التدبير، وهي الفكرة التي أشار إليها بوضوح الوزير محمد الوفا في حوار أجرته معه مؤخرا إحدى الأسبوعيات حين قال أن شباط وبعض المحيطين به، اعتقدوا أن الدخول في نزاع شخصي مع بن كيران، من شأنه أن يؤدي إلى إسقاط الحكومة.

فهذه هي الإشكالية الحقيقية التي لا يمكن تخطيها أو القفز عليها، لمناقشة أمور نظرية حول الديموقراطية والسياسة، قبل الحسم فيها.

فخطاب المعارضة شخصي مائة بالمائة، ولا علاقة له بالبرامج والخيارات، فأساس المشكل في المغرب هو "بن كيران" شخصيا، وحزبه بالدرجة الثانية.

بمعنى، أنك حين تستمع اليوم إلى خطاب المعارضة تجد فيه فقط هجوما على رئيس الحكومة كشخص، وليس كمؤسسة، بل إن البعض حفر عميقا في الماضي لاستخراج أسلحة لم يعد لها مكان حتى في متاحف الإيديولوجيا.. وكل ذلك للتغطية على العجز عن تقديم حلول للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية..

ولهذا أصبحنا أمام منطق غريب، يقوم على الحكم على أي شيء يصدر عن الحكومة بأنه "باطل"، بينما حتى في الدول التي يقوم نظامها السياسي على ثنائية حزبية صارمة، نجد المعارضة تعترف بالإيجابيات دون تحرج، لأنها لا تعتبر تضليل الرأي العام غاية في حد ذاتها.

لا أدري كيف يمكن فهم الهجوم على الإصلاحات التي دشنها وزير الصحة الحالي، ولا كيف يمكن تفسير رفض إصلاح صندوق المقاصة وصناديق التقاعد، لأنه إذا كان ما تدعيه أحزاب المعارضة صحيحا، فالأولى بها أن تترك الحكومة تسير نحو الهاوية، إذا كان فعلا هذا النوع من الإصلاحات ستكون له كلفة اجتماعية كبيرة آنيا، وحتى إذا كانت له ثمار فلن يتم جنيها إلا بعد سنوات... أي بعد أن يصبح بن كيران وحكومته نسيا منسيا..

شخصيا، لأول مرة أسمع معارضة تبدي حرصها على شعبية الحكومة، إلى درجة رفض كل السياسيات والإجراءات التي من شأنها قلب موازين القوة في النزال الانتخابي القادم.

هذا مجرد نموذج يكشف أحد احتمالين، إما أن العداء الشخصي تحول إلى أسلوب المعارضة الوحيد، وإما أن الإجراءات الحكومية تسير في الاتجاه الصحيح وهناك خوف من أن يؤدي نجاحها إلى مزيد من تقهقر أحزاب المعارضة، وهذا طبعا دون أن نشير إلى احتمال آخر يتعلق بتحرك الجهات التي قد تتأثر مصالحها ومكاسبها بأية إجراءات راديكالية، تم دائما التوافق على تأجيلها أو الالتفاف حولها بدل النفاذ إلى عمق إشكالاتها.

هذا التخبط، يجد تفسيره النسبي في أن المعارضة اليوم مكونة من خليط عجيب : فهناك أحزاب صنعت لتحكم لا لتعارض، ولذلك هي في حالة فصام، وهناك أحزاب أخرى شاركت في التجربة منذ بدايتها، وبصماتها حاضرة في كل السياسات والتوجهات الكبرى التي رسمت غداة الاستقلال وأدت إلى الوضع الذي نحن عليه، وهناك أخيرا فئة ثالثة خلقت لتعارض، وحين اضطرتها المتغيرات السياسية للمشاركة في الحكومة في ظروف معينة، انكشف مدى شبقها للسلطة، التي أصبحت بالنسبة إليها غاية لا وسيلة.

فهل نعجب بعد هذا لانحدار الخطاب السياسي والحزبي؟ بل هل نستغرب السعي الحثيث لإقحام حتى المؤسسة الملكية في صراعات شخصية أكثر منها حزبية؟

باختصار، إذا كان بن كيران هو المشكل، فإنه سيرحل عاجلا أو آجلا كما رحل كثير قبله..أما إذا كانت المشاكل اجتماعية واقتصادية ومؤسساتية ودستورية.. فلا فرق بين أن يقود الحكومة السي عبد الإله أو السي حميد أو السي إدريس ..أو حتى جارنا السي عبد المالك سلال...بتخريجاته "اللغوية" العبقرية..

http://facebook.com/my.bahtat

 






للتواصل معنا

0632268239

بريد الجريدة الإلكتروني

  [email protected]

 

المرجو التحلي بقيم الحوار  وتجنب القذف والسب والشتم

كل التعليقات تعبر عن راي أصحابها

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقك على الخبر
* كاتب التعليق
* عنوان التعليق
  * الدولة
* التعليق



إصلاح الإدارة وربط المسؤولية بالمحاسبة: أية علاقة؟

السياسة المخزنية في إفريقيا ومخاطرها

البيجيدي والبيدوفيليا الحلال

الحكومة وعقدة الزيادة

مغربة الصيد البحري.. مشروع مرسوم في الاتجاه المعاكس

وضعية المرأة المعاقة في المغرب

في ذكرى الشهيد أيت الجيد محمد بن عيسى

احتماء الفرنكفونية بالملكية لا يعفي من مقاومتها

حماية وتطوير العربية: في أي دولة سيسن هذا القانون؟

في زوبعة ضبط أذان صـلاة الصبح