الداخلة بريس _ في ذكرى الشهيد أيت الجيد محمد بن عيسى


أضيف في 31 مارس 2014 الساعة 20:33


في ذكرى الشهيد أيت الجيد محمد بن عيسى


المصطفى المريزق

كم يلزمنا من الوقت للتخلص من النفاق و الكذب السياسي؟ و كم يلزمنا من الجهد لاستخراج كنوز البدائل من رحيم مخازن رأس المال الاجتماعي القائم أحيانا على المعايير والقيم الإنسانية المشتركة؟

إن تعدد و توافر المرافق العامة للمجتمع، لا يعني بالضرورة المشاركة في صنع القرار الذي يمنح القدرة على المساهمة في حل المشكلات الجوهرية والتأثير في الحياة العامة ذات التوجه الاجتماعي و الانساني.

لقد عبرنا عن حسن أخلاقنا في أكثر من مناسبة حينما دافعنا بكل قوة عن دور القاضي والمحامي و أساتذة العلوم القانونية، لنبرز دور الحماية والإنقاذ المنصوص عليهما في ميثاق الأمم المتحدة و القانون الدولي و دستور بلادنا. والواقع، أن ما ندافع عنه ليس بدعة ولا اتجاه بحثي يصوغ نموذجا للحكامة كجواب عن السمات الأساسية للديمقراطيات الناشئة، أو ما نسميه في واقعنا بالانتقال الديمقراطي.

لقد أفرزت لنا الصيرورة المجتمعية المغربية في العديد من المحطات، محاولات جريئة لتخليق الحياة العمومية ودعم القضاء المستقل وأهمية السلطة البرلمانية، وبالتحديد منذ حكومة ذ. عبد الرحمان اليوسفي، أو ما يسمى باختصار "حكومة التناوب". لكن المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، ظلا في حاجة ماسة لآليات الوساطة و تفعيلهما من خلال دور الأحزاب السياسية و النخب الفاعلة في مجالات اختصاصاتها.

ثمة معضلة لم تحل منذ بداية وعينا الجماعي بالمصلحة العليا للوطن. فعلى الرغم من الإصلاحات المتعلقة بالقضاء و النظام الأساسي للقضاة، لا زالت راهنيتنا تفتقد للإنصاف والعدالة الاجتماعية، ولا زال شعار "ترك العدالة تشتغل في استقلالية تامة عن سلطة المال و الأعيان و النفوذ" مطلبا حيويا ومنسجما مع مطلب تعزيز دولة المؤسسات القائمة على مبادئ عدم التمييز، وعلى المشاركة و المساءلة، وعلى احترام حقوق الإنسان.

إن جراح الماضي لم تندمل بعد رغم قيم الإنصاف والمصالحة النبيلة، والتي تولدت عن حراك مجتمعي شاركت فيه قوى مجتمعية حية لا يمكن لأي كان أن ينكر فضلها علينا جميعا. لكن، ورغم الدور المتميز لجمعيات المجتمع المدني (خاصة الحقوقية منها) والإعلام المغربي المستقل في تتبع و مواكبة و نشر القضايا الخلافية الخاصة والإشكالات المطروحة على مستوى المسالك القانونية، ومساطر وآليات تنفيذ التوصيات التفاعلية، ظلت الديماغوجية تؤثر وتشوه مسار العدالة الانتقالية ببلادنا، وتنتصر للتحكم والهيمنة، وتتعامل مع الذاكرة الجماعية بنوع من الاستعراضية الموجهة و النكوصية المنظمة.

و إذا كان الأمر كذلك في الواقع، فلاشك في أن خوف الحداثيين وعموم الديمقراطيين من خشية التراجع عن المكتسبات وتجاهل الوفاء لفضيلة الإنصاف والمصالحة ليس سوى موقف وطني فاضل و اختيار ديمقراطي حقيقي لتدبير الذاكرة السياسية الجماعية عن طريق الآليات الكفيلة بكشف الحقيقة وحماية المجتمع حاليا ومستقبلا من العنف و الاستئصال والنكوصية.

إن مغرب الألفية الجديدة والعهد الجديد في حاجة إلى استرجاع الثقة في نخبه السياسية والاقتصادية و الثقافية من أجل مواجهة تحديات المستقبل المتوسط والبعيد المدى، حتى يتسنى لعموم المواطنين الحصول على مقومات العيش المشترك و القيم الإنسانية والثقافية النبيلة، كحرية الاعتقاد والأفكار والمظاهر والمعارف التي تساعد الأفراد و الجماعات على التجدر والتموقع في المجتمع ورفض الخوف بكل أنواعه.

إن حالة الشهيد أيت الجيد محمد بن عيس لا زالت تسائلنا جميعا، خاصة وأن ما ترتب عنها من كذب وبهتان ونفاق سياسي لن يسهم في بناء دولة الحق والقانون. إذ لا يعقل أن تقوم جهة ما بالتستر على جريمة منظمة مع سبق الإصرار و الترصد، والتحيز لصالح النافدين، وتعطيل المساطير المتعلقة بالملف، وحرمان عائلة الشهيد ورفاقه من حقيقة ما جرى يوم الخميس 25 فبراير 1993!.

نعم، إذا كانت السياسة ترتبط بأهداف محددة و متغيرة، فالعدالة يجب أن تكون منصفة، وقائمة على حماية أفراد المجتمع من الانتهاكات، وساهرة على مراقبة آليات الحماية من العنف و تطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

إن المثقف يرفع المستوى المعرفي و القيمي والجمالي والوجداني للناس، والسياسي يستند إلى أفكار و طروحات إيديولوجية، لكن لا يجب أن يمارس النفاق والكذب لحجب الحقيقة.

السياسة - كذلك - تحتاج إلى الجرأة، كما تستدعي تملك مجموعة من المعارف في مجالات ثقافية كالإعلام و علم النفس و الاقتصاد والتاريخ وغيرها للمساهمة في بناء مجتمع جديد.

أما فيما يتعلق بقضية الشهيد أيت الجيد، فيبدو أن الطريقة المعتمدة لحد الآن تعود إلى القرن الحادي عشر أو الثاني عشر الميلاديين ، يوم تشكل لاهوت انحطاطي ظلامي استخدمته فصائل و قبائل و شعاب لتبرير مشروعها اللاعقلاني و اللاإنساني.

إن ما تناولته المائدة المستديرة حول "الاغتيال السياسي: أية آليات للتصدي والمحاسبة"، المنظمة من طرف عائلة الشهيد أيت الجديد و رفاقه يوم الجمعة 15 مارس 2014 بمدينة فاس، كانت فرصة تاريخية للتفكير في قضية الاغتيال السياسي من خلال مقاربات متعددة، تناولت الموضوع من كل جوانبه التاريخية والقانونية والسياسية والاجتماعية، وكشفت –الندوة- عن "الخيط الناظم لكل عمليات الاغتيال السياسي التي عرفها المغرب المعاصر من منطق أصولي، بغض النظر عن خلفيته الايديولوجية، و بغض النظر عن موقعه، سواء من موقع الدولة أو موقع المجتمع، منطق أصولي لم يدخل بعد لمرحلة ممارسة الصراع السياسي و الاختلاف السياسي بشكل سلمي و حضاري، ويتجاوز ذلك حسم الصراع والخلاف بالعنف الذي يشكل الاغتيال السياسي أحد أدواته الحقيرة و الجبانة".

ختاما، لا بد من التأكيد على أن الأسباب وراء اغتيال ايت الجيد كانت أسبابا سياسية بامتياز، و هو ما إستدعي فتح نقاش فكري وسياسي حول هذا الملف المؤلم جدا. كما أن هذا الموضوع بحد ذاته يدعو كل الحداثيين والديمقراطيين للكشف عن أغوار الملفات المشابهة، خاصة في "ظل تنامي دعوات التكفير والتي تمثل مقدمات لاغتيالات سياسية محتملة" كما جاء في أرضية هذه الندوة الأولى من نوعها في مدينة فاس.

 






للتواصل معنا

0632268239

بريد الجريدة الإلكتروني

  [email protected]

 

المرجو التحلي بقيم الحوار  وتجنب القذف والسب والشتم

كل التعليقات تعبر عن راي أصحابها

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقك على الخبر
* كاتب التعليق
* عنوان التعليق
  * الدولة
* التعليق



إصلاح الإدارة وربط المسؤولية بالمحاسبة: أية علاقة؟

السياسة المخزنية في إفريقيا ومخاطرها

البيجيدي والبيدوفيليا الحلال

الحكومة وعقدة الزيادة

مغربة الصيد البحري.. مشروع مرسوم في الاتجاه المعاكس

وضعية المرأة المعاقة في المغرب

احتماء الفرنكفونية بالملكية لا يعفي من مقاومتها

حماية وتطوير العربية: في أي دولة سيسن هذا القانون؟

في زوبعة ضبط أذان صـلاة الصبح

الجزائر: رئاسة على بياض لمجلس ثروة